الصفحة الرئيسية
>
شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم
وإذن فهو- في النهاية- قدر الله وتدبيره وحكمته من وراء الأسباب والأحداث والأشخاص والحركات.. وهو التصور الإسلامي الشامل الكامل يستقر في النفس من وراء الأحداث والتعقيب المنير على هذه الأحداث.2- وتمخضت المعركة والتعقيب عليها عن حقيقة أساسية كبيرة عن طبيعة النفس البشرية وطبيعة الفطرة الإنسانية وطبيعة الجهد البشري ومدى ما يمكن أن يبلغه في تحقيق المنهج الإلهي:إن النفس البشرية ليست كاملة- في واقعها- ولكنها في الوقت ذاته قابلة للنمو والارتقاء حتى تبلغ أقصى الكمال المقدر لها في هذه الأرض.وها نحن أولاء نرى قطاعًا من قطاعات البشرية- كما هو وعلى الطبيعة- ممثلًا في الجماعة التي تمثل قمة الأمة التي يقول الله عنها: {كنتم خير أمة أخرجت للناس}.وهم أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم المثل الكامل للنفس البشرية على الإطلاق.. فماذا نرى؟ نرى مجموعة من البشر فيهم الضعف وفيهم النقص، وفيهم من يبلغ أن يقول الله عنهم: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا ولقد عفا الله عنهم}. ومن يبلغ أن يقول الله عنهم: {حتى إذا فشلتم وتنازعتم في الأمر وعصيتم من بعد ما أراكم ما تحبون منكم من يريد الدنيا ومنكم من يريد الآخرة ثم صرفكم عنهم}.. وفيهم من يقول الله عنهم: {إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما وعلى الله فليتوكل المؤمنون}.. وفيهم من ينهزم وينكشف وتبلغ منهم الهزيمة ما وصفه الله سبحانه بقوله: {إذ تصعدون ولا تلوون على أحد والرسول يدعوكم في أخراكم فأثابكم غمًا بغم لكي لا تحزنوا على ما فاتكم ولا ما أصابكم}..وكل هؤلاء مؤمنون مسلمون؛ ولكنهم كانوا في أوائل الطريق. كانوا في دور التربية والتكوين. ولكنهم كانوا جادين في أخذ هذا الأمر مسلمين أمرهم لله مرتضين قيادته ومستسلمين لمنهجه. ومن ثم لم يطردهم الله من كنفه بل رحمهم وعفا عنهم؛ وأمر نبيه صلى الله عليه وسلم أن يعفو عنهم ويستغفر لهم وأمره أن يشاورهم في الأمر بعد كل ما وقع منهم وبعد كل ما وقع من جراء المشورة! نعم أنه سبحانه تركهم يذوقون عاقبة تصرفاتهم تلك وابتلاهم ذلك الابتلاء الشاق المرير.. ولكنه لم يطردهم خارج الصف ولم يقل لهم: إنكم لا تصلحون لشيء من هذا الأمر بعد ما بدا منكم في التجربة من النقص والضعف.. لقد قبل ضعفهم هذا ونقصهم ورباهم بالابتلاء ثم رباهم بالتعقيب على الابتلاء والتوجيه إلى ما فيه من عبر وعظات. في رحمة وفي عفو وفي سماحة؛ كما يربت الكبير على الصغار؛ وهم يكتوون بالنار ليعرفوا ويدركوا وينضجوا. وكشف لهم ضعفهم ومخبآت نفوسهم لا ليفضحهم بها ويرذلهم ويحقرهم ولا ليرهقهم ويحملهم ما لا يطيقون له حملًا. ولكن ليأخذ بأيديهم ويوحي إليهم أن يثقوا بأنفسهم ولا يحتقروها ولا ييأسوا من الوصول ما داموا موصولين بحبل الله المتين.ثم وصلوا.. وصلوا في النهاية وغلبت فيهم النماذج التي كانت في أول المعركة معدودة. وإذا هم في اليوم التالي للهزيمة والقرح يخرجون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم غير هيَّابين ولا مترددين ولا وجلين من تخويف الناس لهم حتى استحقوا تنويه الله بهم: {الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيمانًا وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل}..ولما كبروا بعد ذلك شيئًا فشيئًا.. تغيرت معاملتهم وحوسبوا كما يحاسب الرجال الكبار. بعد ما كانوا يربتون هنا كما يربت الأطفال! والذي يراجع غزوة تبوك في سورة براءة؛ ومؤاخذة الله ورسوله للنفر القلائل المتخلفين تلك المؤاخذة العسيرة يجد الفرق واضحًا في المعاملة؛ ويجد الفرق واضحًا في مراحل التربية الإلهية العجيبة.كما يجد الفارق بين القوم يوم أحد والقوم يوم تبوك.. وهم هم.. ولكن بلغت بهم التربية الإلهية هذا المستوى السامق.. ولكنهم مع هذا ظلوا بشرًا. وظل فيهم الضعف والنقص والخطأ. ولكن ظل فيهم كذلك الاستغفار والتوبة والرجوع إلى الله.إنها الطبيعة البشرية التي يحافظ عليها هذا المنهج؛ ولا يبدلها أو يعطلها ولا يحملها ما لا تطيق. وإن بلغ بها أقصى الكمال المقدر لها في هذه الأرض.وهذه الحقيقة ذات قيمة كبيرة في إعطاء الأمل الدائم للبشرية، لتحاول وتبلغ، في ظل هذا المنهج الفريد. فهذه القمة السامقة التي بلغتها تلك الجماعة إنما بدأت تنهد إليها من السفح الذي التقطها منه. وهذه الخطى المتعثرة في الطريق الشاق زاولتها جماعة بشرية متخلفة في الجاهلية. متخلفة في كل شيء. على النحو الذي عرضنا نماذج منه في سياق هذا الدرس.. وكل ذلك يعطي البشرية أملًا كبيرًا في إمكان الوصول إلى ذلك المرتقى السامي مهما تكن قابعة في السفح. ولا يعزل هذه الجماعة الصاعدة فيجعلها وليدة معجزة خارقة لا تتكرر. فهي ليست وليدة خارقة عابرة. إنما هي وليدة المنهج الإلهي الذي يتحقق بالجهد البشري في حدود الطاقة البشرية- والطاقة البشرية كما نرى قابلة للكثير!هذا المنهج يبدأ بكل جماعة من النقطة التي هي فيها ومن الواقع المادي الذي هي فيه. ثم يمضي بها صعدًا كما بدأ بتلك الجماعة من الجاهلية العربية الساذجة.. من السفح.. ثم انتهى بها في فترة وجيزة لم تبلغ ربع قرن من الزمان إلى ذلك الأوج السامق..شرط واحد لابد أن يتحقق.. أن تسلم الجماعات البشرية قيادها لهذا المنهج. أن تؤمن به. وأن تستسلم له. وأن تتخذه قاعدة حياتها وشعار حركتها وحادي خطاها في الطريق الشاق الطويل..3- وحقيقة ثالثة تمخضت عنها المعركة والتعقيب عليها.. حقيقة الارتباط الوثيق في منهج الله بين واقع النفس المسلمة والجماعة المسلمة وبين كل معركة تخوضها مع أعدائها في أي ميدان. الارتباط بين العقيدة والتصور والخلق والسلوك والتنظيم السياسي والاقتصادي والاجتماعي.. وبين النصر أو الهزيمة في كل معركة.. فكل هذه عوام أساسية فيما يصيبها من نصر أو هزيمة.والمنهج الإلهي- من ثم- يعمل في مساحة هائلة في النفس الإنسانية وفي الحياة البشرية. مساحة متداخلة الساحات والنقط والخطوط والخيوط متكاملة في الوقت ذاته وشاملة. والخطة يصيبها الخلل والفشل حين يختل الترابط والتناسق بين هذه الساحات كلها والنقط والخطوط والخيوط.. وهذه ميزة ذلك المنهج الكلي الشامل الذي يأخذ الحياة جملة ولا يأخذها مزقًا وتفاريق. والذي يتناول النفس والحياة من أقطارها جميعًا ويلم خيوطها المتشابكة المتباعدة في قبضته فيحركها كلها حركة واحدة متناسقة لا تصيب النفس بالفصام ولا تصيب الحياة بالتمزق والانقسام.ومن نماذج هذا التجميع وهذه الارتباطات المتداخلة الكثيرة حديثه- في التعقيب القرآني- عن الخطيئة وأثرها في النصر والهزيمة. فهو يقرر أن الهزيمة كانت موصولة بالشيطان الذي استغل ضعف الذين تولوا بسبب مما كسبوا: {إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا}.. كما يقرر أن الذين قاتلوا مع الأنبياء ووفوا- وهم النموذج الذي يطلب إلى المؤمنين الاقتداء به- بدأوا المعركة بالاستغفار من الذنوب: {وكأين من نبي قاتل معه ربيون كثير فما وهنوا لما أصابهم في سبيل الله وما ضعفوا وما استكانوا والله يحب الصابرين وما كان قولهم إلا أن قالوا ربنا اغفر لنا ذنونبا وإسرافنا في أمرنا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين فآتاهم الله ثواب الدنيا وحسن ثواب الآخرة والله يحب المحسنين}.. وفي توجيهاته للجماعة المسلمة يسبق نهيه لها عن الوهن والحزن في المعركة توجيهها للتطهر والاستغفار: {وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله يحب المحسنين والذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم ذكروا الله فاستغفروا لذنوبهم ومن يغفر الذنوب إلا الله ولم يصروا على ما فعلوا وهم يعلمون}.. ومن قبل يذكر عن سبب ذلة أهل الكتاب وانكسارهم: الاعتداء والمعصية: {ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس وباءوا بغضب من الله وضربت عليهم المسكنة ذلك بأنهم كانوا يكفرون بآيات الله ويقتلون الأنبياء بغير حق ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون}..وكذلك نجد الحديث عن الخطيئة والتوبة يتخلل التعقيب على أحداث الغزوة كما نجد الكلام عن التقوى وتصوير حالات المتقين يتخلل سياق السورة كلها بوفرة ملحوظة. ويربط بين جو السورة كلها- على اختلاف موضوعاتها- وجو المعركة. كما نجد الدعوة إلى ترك الربا وإلى طاعة الله والرسول وإلى العفو عن الناس وكظم الغيظ والإحسان.. وكلها تطهير للنفس وللحياة وللأوضاع الاجتماعية.. والسورة كلها وحدة متماسكة في التوجيه إلى هذا الهدف الأساسي الهام.4- وحقيقة رابعة.. عن طبيعة منهج التربية الإسلامي.. فهو يأخذ الجماعة المسلمة بالأحداث وما تنشئه في النفوس من مشاعر وانفعالات واستجابات ثم يأخذهم بالتعقيب على الأحداث.. على النحو الذي يمثله التعقيب القرآني على غزوة أحد.. وهو في التعقيب يتلمس كل جانب من جوانب النفس البشرية تأثر بالحادثة ليصحح تأثره ويرسب فيه الحقيقة التي يريد لها أن تستقر وتستريح! وهو لا يدع جانبًا من الجوانب ولا خاطرة من الخواطر ولا تصورًا من التصورات ولا استجابة من الاستجابات حتى يوجه إليها الأنظار ويسلط عليها الأنوار ويكشف عن المخبوء منها في دروب النفس البشرية ومنحنياتها الكثيرة ويقف النفس تجاهها مكشوفة عارية؛ وبذلك يمحص الدخائل وينظفها ويطهرها في وضح النور؛ ويصحح المشاعر والتصورات والقيم؛ ويقر المبادئ التي يريد أن يقوم عليها التصور الإسلامي المتين وأن تقوم عليها الحياة الإسلامية المستقرة.مما يلهم وجود اتخاذ الأحداث التي تقع للجماعة المسلمة في كل مكان وسيلة للتنوير والتربية على أوسع نطاق..وننظر في التعقيب على غزوة أحد فنجد الدقة والعمق والشمول.. الدقة في تناول كل موقف وكل حركة وكل خالجة؛ والعمق في التدسس إلى أغوار النفس ومشاعرها الدفينة؛ والشمول لجوانب النفس وجوانب الحادث. ونجد التحليل الدقيق العميق الشامل للأسباب والنتائج. والعوامل المتعددة الفاعلة في الموقف المسيرة للحادث كما نجد الحيوية في التصوير والإيقاع والإيحاء؛ بحيث تتماوج المشاعر مع التعبير والتصوير تماوجًا عميقًا عنيفًا ولا تملك أن تقف جامدة أمام الوصف، والتعقيب. فهو وصف حي يستحضر المشاهد- كما لو كانت تتحرك- ويشيع حولها النشاط المؤثر والإشعاع النافذ والإيحاء المثير.5- وحقيقة خامسة كذلك.. عن واقعية المنهج الإلهي.. فمن وسائل هذا المنهج لإنشاء آثاره في عالم الواقع مزاولته بالفعل فهو لا يقدم مبادئ نظرية ولا توجيهات مجردة.. ولكنه يطبق ويزاول نظرياته وتوجيهاته. وأظهر مثل على واقعية المنهج في هذه الغزوة هو موقفه إزاء مبدأ الشورى..لقد كان في استطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجنب الجماعة المسلمة تلك التجربة المريرة التي تعرضت لها- وهي بعد ناشئة ومحاطة بالأعداء من كل جانب والعدو رابض في داخل أسوارها ذاتها- نقول كان في استطاعة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يجنب الجماعة المسلمة تلك التجربة المريرة التي تعرضت لها لو أنه قضى برأيه في خطة المعركة مستندًا إلى رؤياه الصادقة؛ وفيها ما يشير إلى أن المدينة درع حصينة؛ ولم يستشر أصحابه أو لم يأخذ بالرأي الذي انجلت المشورة عن رجحانه في تقدير الجماعة! أو لو أنه رجع عن الرأي عندما سنحت له فرصة الرجوع وقد خرج من بيته فرأى أصحاب هذا الرأي نادمين أن يكونوا قد استكرهوه على غير ما يريد!ولكنه- وهو يقدر النتائج كلها- أنفذ الشورى. وانفذ ما استقرت عليه ذلك كي تجابه الجماعة المسلمة نتائج التبعة الجماعية وتتعلم كيف تحتمل تبعة الرأي وتبعة العمل. لأن هذا في تقديره صلى الله عليه وسلم وفي تقدير المنهج الإسلامي الذي ينفذه أهم من اتقاء الخسائر الجسيمة ومن تجنيب الجماعة تلك التجربة المريرة. فتجنيب الجماعة التجربة معناه حرمانها الخبرة وحرمانها المعرفة وحرمانها التربية!ثم يجيء الأمر الإلهي له بالشورى- بعد المعركة كذلك- تثبيتًا للمبدأ في مواجهة نتائجه المريرة.فيكون هذا أقوى وأعمق في إقراره من ناحية وفي أيضاح قواعد المنهج من ناحية..إن الإسلام لا يؤجل مزاولة المبدأ حتى تستعد الأمة لمزاولته! فهو يعلم أنها لن تستعد أبدًا لمزاولته إلا إذا زاولته فعلًا وإن حرمانها من مزاولة مبادئ حياتها الأساسية- كمبدأ الشورى- شر من النتائج المريرة التي تتعرض لها في بدء استعماله وأن الأخطاء في مزاولته- مهما بلغت من الجسامة- لا تبرر إلغاءه بل لا تبرر وقفة فترة من الوقت لإنه إلغاء أو وقف لنموها الذاتي ونمو خبرتها بالحياة والتكاليف. بل هو إلغاء لوجودها كأمة إطلاقًا!وهذا هو الإيحاء المستفاد من قوله تعالى- بعد كل ما كان من نتائج الشورى في المعركة: {فاعف عنهم واستغفر لهم وشاورهم في الأمر}.كما أن المزاولة العملية للمبادئ النظرية تتجلى في تصرف الرسول صلى الله عليه وسلم عندما رفض أن يعود إلى الشورى بعد العزم على الرأي المعين واعتباره هذا ترددًا وأرجحة. وذلك لصيانة مبدأ الشورى ذاته من أن يصبح وسيلة للتأرجح الدائم والشلل الحركي. فقال قولته التربوية المأثورة: «ما كان لنبي أن يضع لأمته حتى يحكم الله له». ثم جاء التوجيه الإلهي الأخير: {فإذا عزمت فتوكل على الله}.. فتطابق في- المنهج- التوجيه والتنفيذ..6- وهناك حقيقة أخيرة نتعلمها من التعقيب القرآني على مواقف الجماعة المسلمة التي صاحبت رسول الله صلى الله عليه وسلم والتي تمثل أكرم رجال هذه الأمة على الله.. وهي حقيقة نافعة لنا في طريقنا إلى استئناف حياة إسلامية بعون الله..إن منهج الله ثابت وقيمه وموازينه ثابتة والبشر يبعدون أو يقربون من هذا المنهج ويخطئون ويصيبون في قواعد التصور وقواعد السلوك. ولكن ليس شيء من أخطائهم محسوبًا على المنهج ولا مغيرًا لقيمه وموازينه الثابتة.وحين يخطئ البشر في التصور أو السلوك فإنه يصفهم بالخطأ. وحين ينحرفون عنه فإنه يصفهم بالانحراف. ولا يتغاضى عن خطئهم وانحرافهم- مهما تكن منازلهم وأقدارهم- ولا ينحرف هو ليجاري انحرافهم!ونتعلم نحن من هذا أن تبرئة الأشخاص لا تساوي تشويه المنهج! وأنه من الخير للأمة المسلمة أن تبقى مبادئ منهجها سليمة ناصعة قاطعة وأن يوصف المخطئون والمنحرفون عنها بالوصف الذي يستحقونه- أيًا كانوا- وألا تبرر أخطاؤهم وانحرافاتهم أبدًا بتحريف المنهج وتبديل قيمه وموازينه. فهذا التحريف والتبديل أخطر على الإسلام من وصف كبار الشخصيات المسلمة بالخطأ أو الانحراف.. فالمنهج أكبر وأبقى من الأشخاص. والواقع التاريخي للإسلام ليس هو كل فعل وكل وضع صنعه المسلمون في تاريخهم. وإنما هو كل فعل وكل وضع صنعوه موافقًا تمام الموافقة للمنهج ومبادئه وقيمه الثابتة.وإلا فهو خطأ أو انحراف لا يحسب على الإسلام وعلى تاريخ الإسلام؛ إنما يحسب على أصحابه وحدهم ويوصف أصحابه بالوصف الذي يستحقونه: من خطأ أو انحراف أو خروج على الإسلام.. إن تاريخ الإسلام ليس هو تاريخ المسلمين ولو كانوا مسلمين بالاسم أو باللسان! إن تاريخ الإسلام هو تاريخ التطبيق الحقيقي للإسلام في تصورات الناس وسلوكهم وفي أوضاع حياتهم ونظام مجتمعاتهم.. فالإسلام محور ثابت تدور حوله حياة الناس في إطار ثابت. فإذا هم خرجوا عن هذا الإطار أو إذا هم تركوا ذلك المحور بتاتًا فما للإسلام وما لهم يومئذ؟ وما لتصرفاتهم وأعمالهم هذه تحسب على الإسلام أو يفسر بها الإسلام؟ بل ما لهم هم يوصفون بأنهم مسلمون إذا خرجوا على منهج الإسلام وأبوا تطبيقه في حياتهم وهم إنما كانوا مسلمين لأنهم يطبقون هذا المنهج في حياتهم لا لأن أسماءهم أسماء مسلمين ولا لأنهم يقولون بأفواههم: إنهم مسلمون؟!وهذا ما أراد الله سبحانه أن يعلمه للأمة المسلمة وهو يكشف أخطاء الجماعة المسلمة ويسجل عليها النقص والضعف ثم يرحمها بعد ذلك ويعفو عنها ويعفيها من جرائر النقص والضعف في حسابه. وإن يكن أذاقها جرائر هذا النقص والضعف في ساحة الابتلاء!. اهـ.
|